Monday, June 9, 2014

لاتقدم بدون اصلاح التعليم



لا أعتقد أن المرشح محمد ولد عبد العزيز يحتاج إلى القيام بحملة من النوع المألوف وتجييش عناصر الدولة العميقة الذين انهكوا كاهل المنظومة القومية بالصطو على الممتلكات العامة و إفشاء ثقافة الإحتيال والزيف التي سيطرت على المجتمع وتقف حاجزا منيعا في وجه تنميته ، ففوز الرئيس مؤكد ليس فقط بسبب عزوف فحول المعارضة عن المنافسة الإنتخابية بل ايضا لأن الرجل أثبت نوعا من الجدارة في قيادة البلد لاسيما في التعاطي مع الشأن الإقليمي ومحاربة الجماعات المتطرفة ، ولو ان اسلوبه لايخلو من من الإستبداد فإن انصياع الأقلبية لإمرأته وهرولة اغلب معارضيه الى صف الولاء له لم يكن نتيجة تضييق الحريات العامة على معارضيه او فتح ينابع الخزينة للمتزلفين وهذا ما يعطي للرجل هامشا واسعا من المناورة يصعب على معارضيه التشكيك في مصداقية اعادة انتخابه. انني من موقعي كمناضل مستقل ضرب منذ القدم على العزوف عن العمل السياسي المنظم لإكراهاته المادية او المعنوية لا يسرني الحراك الحالي بما فيه من تجليات الماضي وتفاهماته المعلنة وغير المعلنة بين مكونات النخبة الإنتهازية على حساب المصلحة العامة التي تتطلب على حد أدنى كسر شوكة المفسدين ومناصريهم.
ان على الرئيس اذا كان مازال ملتزما بخطه الإصلاحي المعلن ان يوقف هذا الحراك لكي لا تتحول الإنتخابات الرئاسية الى كرنفالات يعلو فيها صوت الباطل ويهمش التفكير الجاد. ان البلد في أمس الحاجة الى خارطة طريق تخرجه من حالة الإستقطاب السياسي وترسم خطة طموحة ومعقلنة تتناقم مع تطلعات الشعب في غد افضل وتبتعد عن النفاق المألوف بوعوده المغرية وأرقامه المزورة. ان غياب المعارضة عن المنافسة يمنح فرصة نادرة للنئي ولو لحين عن اللإستقطاب السياسي والتركيز على ترشيد الطاقات وترسيخ دعائم الحكم الرشيد ، يجب توظيف هذه الفرصة لإعطاء أقصى قدر من الوضوح للعمل الحكومي بتحديد معايير واضحة لتقييم الأداء ولتخصيص الموارد حسب أولويات التنمية بشكل يسمح للمواطن العادي بلمس التقدم وملاحظة النواقص. واني أرى ان من أولى الأولويات اصلاح التعليم.
ان بلدا لا يستطيع اغلبية ساكنيه القراءة ، والكتابة ، وابجديات الحساب ، لا يمكن ان يتطوراويبني مجدا لنفسه ولوكانت نوايا ابنائه حسنة وموارده الطبيعية وافرة  وهنا تجدر اللإشارة الى ان عملية الإنماء ليست معجزة اكرم بها الله الرجل الأبيض والأصفر واحجبها عن الأسمر بل هي منهجية وعمل ومثابرة يحتل التعلم والتعليم  صدارتها ، ان الدول تتطور اذا استثمرت في التعليم ، وليس فقط من خلال تخصيص ميزانيات كبيرة لهذا القطاع الحيوي كما هو الحال في بلدنا نسبيا بل أيضا بالحرص على استخدام الموارد لصالح اكتساب المعرفة الفعلية من قبل الطلاب عن طريق اساليب إدارية سليمة تتسم بالفعالية والعقلنة. يجب فتح ابواب التعليم الأساسي لجميع الموريتانيين صغارا وكبارا للقضاء التام على الأمية في ظرف اقصاه عشر سنين وللتأكيد على ان هذا الهدف مصيري وملزم للجميع الدولة و المواطنين على حد سواء تطرح مسالة تقييد حق التصويت لاسيما في الإنتخابات الرآسية والبرلمانية بالحصول على شهادة الدروس الإبتدائية.
ان الوضع الحالي للمدارس الإبتدائية غير مقبول في بلد تفيض فيه خزائن الدولة بالعمولات الصعبة ويعطل فيه عن العمل آلاف الشبان المتعلمين القادرين على التدريس ، ان غالبية المدارس الابتدائية لاتحتوي على الحد الأدنى من الخدمات بما في ذلك الماء الشروب والصرف الصحي ناهيك عن الطاقم البشري حسب تقارير وزارة التربية الوطنية حيث تشيردراسة اجريت 2010 الى ان أكثر من ثلثي معلمي المرحلة الابتدائية غير حاصلين على المستوى الأكاديمي الأدنى للتدريس. ويتسبب هذا الوضع المزري في عزوف ابناء الطبقة الوسطى عن المدارس العامة بما في ذلك من اجحاف على الحالة المعيشية لأسرهم وأيضا على اتلاف الأجيال القادمة نظرا الى الفصل في المسارات التعليمية. كما ينعس على النتائج الأكاديمية حيث تشير إحصائيات وزارة التربية الوطنية الى ان 40٪ فقط من خريجي المدارس الابتدائية بما في ذالك الخصوصية يحصلون على شهادة الدراسات الابتدائية فيا ترى ما مصير الستين في المئة الباقية انه عبئ ثقيل ومستديم لاسيما على الفئات الفقيرة وخاصة غالبيتها من شريحة الأرقاء السابقون المعروفة بالحراطين .
ان على الرئيس ان يأخذ بعين الجد هذه المسألة ويرتب الأوليات للوفاء بالتزامات الدولة في نطاق خطة الألفية المنبثقة من هيآة الأمم المتحدة والتي تنص على فرضية تكميل جميع الأطفال للمرحلة اللإبتدائية بصورة تضمن لهم ايجاد القراءة ، والكتابة ، وابجديات الحساب ، ان هدفا من هذا النوع سيفرض اجندا استثنائي على الدولة يتم بموجبه تحسين البنية التحتية للمدارس و تجنيد المعلمين الجيدين و إذا لزم الأمر استيرادهم من الدول المجاورة و لن يكون هذا الابزيادة كبيرة في رواتب المعلمين لجذب المهارات المناسبة والتمسك بها ، وفي هذا السياق يبدو لي من المعقول ان يساوى بين رواتب معلمي المدارس الابتدائية و اساتذة التعليم العالي اذا تساوت الخبرات لأن الفوارق الكبيرة الحالية لاتبدو لي معتمدة على فوارق مناسبة في الإنتاج .
ان الوفاء بالإلتزامات الأممية في مجال التعليم الإبتدائي سيفتح آفاق جيدة للمستويات الأعلى لأن كثيرا من النوابق لايجدون حاليا سبيلا لهذه المستويات بفعل ضعف أداء التعليم الأساسي وسيستوجب مضاعفة قدرات استعاب المرحلة الإعدادية ،  وفي هذا السياق سيترتب على الحكومة ان تخلق اطارا شفافا للمنافسة على المرحلتين الثانوية والجامعية لضمان ولوج الأحق الى هذه المستويات نظرا الى عدم قدرة الدولة في توفير التعليم الثانوي والعالي لجميع الطلاب. على ان تكون  شهادة التعليم الثانوي المعروفة ببرف شرط في دخول الثانويات العامة والولوج في الوظيفة العمومية ومؤسسات الجيش و الشرطة.
ان خطة من هذا النوع ستكون بالطبع مكلفة للدولة ، ولكن ليس بقدر تكلفة جهل الجماهير، وخصوصا الجهل الذي يصاحب الأفراد طوال حياتهم و يدخلهم في دائرة مفرغة من الفقر قد تقود الى فتن لاتحمد عقباها ، بالإضافة إلى ذلك، فإن اغلب الإنفاق العام مشكوك القيمة وعلى وجه الخصوص لالحصر فإن المليارات التي تنفق على مؤسسات مثل مجلس الشيوخ ، اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة ، المجلس الدستوري وكثير من الهياكل الحكومية الأخرى عديمة الفائدة مقارنة مع ما سيجنيه البلد من افشاء التعليم والتعلم في جميع الميادين خاصة الإنتاج المادي والمعرفي.
ولله التوفيق
محمد ولد أحمد الطلبة
واشنطن د.س.